كتبت : روان حسام
ماهي العلاقة بين استيفان روستي والدكتور شديد؟ أطلقوا عليها لقب هوليوود الشرق لأنها كانت المكان الذي يطمح إليه كل فنان، لكنها على مر العصور كانت الوطن الذي يذوب فيه الجميع ويكتسوا بصبغة خالصة مصرية، حيث يصعب تفريق المصري عن صاحب الأصول الأجنبية بعد أعوام، وكانت السينما هي العنوان الأكثر وضوحاً لهذا حين جمعت مجموعة من الفنانين ذوي الأصول المختلفة ليقدموا فناً مصرياً خالصاً لا تستطيع الشك لحظة في مصريته، هيا بنا نتعرف على سيرة رجلين ذوي أصول غير مصرية كانا الأكثر مصرية:
استيفان روستي
طالب في المرحلة الثانوية، هربت به أمه الإيطالية إلى الإسكندرية خوفاً من أن يختطفه والده الدبلوماسي نمساوي الجنسية ويعود به إلى بلاده، يتم فصله من المدرسة لعشقه للتمثيل، يعمل “بوسطجياً” لمدة 8 أيام، قبل أن يفصل مرة أخرى للسبب ذاته، يهاجر إلى إيطاليا مع والدته ليعمل مترجماً قبل أن يمارس عشقه بالعمل في المجال السينمائي، يعود إلى مصر عام 24 ليقوم ببعض المهام، قبل أن يخرج فيلم ليلى أول فيلم مصري 100٪، وينطلق بعدها مخرجاً وممثلاً لا ينسى، حياة تشبه الأساطير، وقصة نجاح تشبه تماماً أساطير جبال الأوليمب خاضها استيفان روستي عبقري الشر الضاحك في السينما المصرية.
لم يكن روستي مجرد حالة فنية عبقرية يندر تكرارها على الصعيد الفني، بل حالة إنسانية مبهرة، توضح ما كانت عليه مصر في القرن الماضي وحتى منتصفه، وتفضح ما وصلت إليه.
رجل أوروبي الأصل، يصير جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المصرية، تعجنه الأسكندرية بترابها الزعفراني المرمري، وتصبغه شمسها بـ”قمحيتنا” المميزة، وتتشرب روحه بالثقافة المصرية، فيصير أكثر مصرية من كثيرين يعيشون فوق أرضها اليوم.
من ناحيتها لم تقصر مصر، بل استوعبته، وأجاد المجتمع توظيفه، ليقوم بدوره على الوجه الأكمل، في نموذج حي على تشكيل الشعب المصري متعدد الأصول، مختلف الثقافات، الذائب في طمي النيل والمرتبط بعشق الأرض، قبل أن تهب عليه الرياح الشرقية المحملة بالبداوة.
نفتقد وجود صاحب: “نشلت يا فالح”، “يلا أهي موتة والسلام”، و”روح يا معلم، الله يخرب بيتك”، نفتقدك للغاية بيننا الآن، نفتقد حتى أدواره التي مزج فيها الشر بخفة الدم، لأن أشرارنا صاروا ثقيلي دم، لا يجعلوننا نبتسم، بل وحتى لا يبتسمون، والطيبون الودعاء لدينا يموتون.
ربما يجب أن نلوم الكونت استيفان روستي لأنه علمنا أن نحب الشرير، لأن بداخله إنسان، ولكن أعتقد أن عذره أنه لما يرى أشرار هذا العصر، رحل في منتصف الستينيات ومصر تودع عصرها الذهبي، وتتجه نحو الأسفل، رحل وهو لا يملك سوى 7 جنيهات، ورصيد طاغي من المحبة مازالت أفلامه تستثمره ويزيد أكثر فأكثر، رحل رحمة من الله قبل أن يرى قباحة الطيبة وهو من جعل الشر جميلاً.
الدكتور شديد
لم يكن إبراهيم باشا يعلم وهو عائد من حروبه في منطقة الأناضول، أن في جيشه من يحمل في جعبته لشعب مصر بدلاً من الانتصارات، الكثير والكثير من السعادة والضحكات، حيث اصطحب معه الضابط عمر ذو الأصول التركية الذي تزوج من امرأة من الدقهلية وأنجب منها ولدين فرحات وإسماعيل، عمل فرحات مهندساً في الآثار وأنجب محمد الفيلسوف صاحب الضحكة الشهير بـ الدكتور شديد.
توفي والده وعمره عامين، وحرصت والدته على تربيته، حفظ القرآن كاملاً وتمكن من تجويده، وفي المدرسة تعرف إلى زميله محمد عوض وتعلما معاً فن الإلقاء والتمثيل الذي عشقه.
وعندما أراد الالتحاق بمعهد التمثيل بعد البكالوريا، نصحه الفنان الكبير حسين رياض أن يستكمل دراسته أولاً، فدرس الفلسفة، والتحق بفريق التمثيل في كلية الآداب ليتدرب على يد الفنان زكي طليمات، حتى تخرج وعمل في التدريس.
وكانت النقلة الفنية في حياته عندما التحق بفرقة ساعة لقلبك الإذاعية التي تحولت بعد نجاحها إلى فرقة مسرحية، حين قرر مؤلف اسكتشات ساعة لقلبك، الكاتب عبد الفتاح السيد أن يبتكر شخصية الدكتور شديد، صاحب الذاكرة الضعيفة، لتلتصق وتتوحد بالفنان محمد فرحات عمر بقية حياته.
إلا أن الفيلسوف داخل الفنان قرر التمرد بعد وظيفة هيئة الإذاعة البريطانية فترك الفن وعمل على النقد والتعليق بين عامي 1968 و 1977، وحصل خلالها على ماجستير في الفلسفة حول طبيعة القانون العلمي، تحت اشراف الدكتور زكي نجيب محمود.
ثم عاد إلى العمل في المسلسلات، وألف كتاباً عن فن المسرح، يدرّس حتى الآن في معهد التمثيل.
وفي 12 يوليو 1997 رحل صاحب: “ومالو يا أخويا ومالو”، بعد أن ظل سنوات عمره الأخيرة مقيماً في “بنسيون” في منطقة الزمالك يكتب مقالات سياسية للمجلات والجرائد.
ليست هناك تعليقات :